
(أ)
2009 هي سنة التغييرات الجذرية بالنسبة لي ، دخلت فيها مضمار العمل لأول مرة كمعلمة لذوي الاحتياجات الخاصة ، خضت من خلالها تجربة غنية جداً برغم أنها كانت لبضعة أشهر ، جعلتني أجوب داخل نفسي وأكتشف خبايا لم أكن أعلمٍ بها ، التعامل مع الأطفال بذلك الشغف الذي أراه على محيى الفتيات فور مشاهدتهن لطفل صغير أو جميل هو أمر لم أميل إلية مطلقاً في حياتي ، لكن تشاء الأقدار أن أتولى في أول يوم عمل لي قيادة صف أول وثاني ابتدائي في مادة « الإسلامي » والتي تتضمن القرآن والتوحيد والفقة ، وضعت أمام مفترق طرق كبير ، كانت التجربة بالبداية كارثه ! – بالمناسبه الفصول الدنيا هي بالغالب فصول غير مرغوبة من قبل المعلمات بسبب الجهد الكبير الذي تتطلبة تلك المراحل – ، احسست بأنني قد دخلت في معمة وفوضى كبيرة ، قيادة صف يتضمن 11 أو 12 طفل مختلفين بالتشخيص ، ويوجد من ضمنهم أكثرمن طفل ذا نشاط حركي زائد ، شعرت بأن الطالبات قد وصلهم أن المعلمة الجديدة دخلت إلى مطب عميق فأخذوا بالإزدياد في مؤامرة إخراج « أبلى سارة » من طورها !!
😀
(ب)
العمل في هذا المجال جعلني أكتشف انني أملك ميل خاص للأطفال الظريفين ، وأنني أملك نفسي و السيطرة عليها بسهولة تامة ، « الصبر » هو واحد من أجمل المزايا التي اكتسبتها من خلال هذه التجربة ، « عصبيتي » كانت سريعة وتظهر في أقل المواقف ، لكن في مجال عملي اكتشفت انها عديمة الفائدة ، فكل ما ازددتِ حلما و حزماً ، كل ما اصبحتِ محكمة بزمام الأمور أكثر وأكثر . من أطرف الأشياء التي أغرمت بها ، كانت النظرة التي أشاهدها على الفتيات الشقيات اللاتي أقوم بتدريسهن ، بعد اقدام احداهن على فعلٍ خاطئ ، اذكر منها رؤية وجة الطفلة فاطمة – أو “بوصالح” كما أحب تسميتها 😛 – « داون سندروم » وهي تضحك عقب فعلتها ، كنت أسيرة لتلك النظرة ، فبمجرد أن تلتقي نظراتنا ، أنا بوجهي المتفاجئ والمقبل على العقاب وهي بوجهها البريئ والذي تعلوه ابتسامة عريضة معلنة بأن ماحدث لم يكن بيدها ، حينها لا استطع أن أمسك نفسي وندخل أنا و هي في دوامة من الضحك العارم ، ضاربين بعرض الحائط كل سبل تعديل السلوك التي كانت تتردد على أسماعنا من قبل أساتذتنا الجامعين .
(ج)
العمل كـ ” معلمة ” لم يكن من أحلام طفولتي ، بل بالعكس ، كان من أكثر المهن ابتعاداً عن مخيلتي ،أذكر عندما كنت في الصف الأول أو الثاني ابتدائي وفي موعد استلام الشهادات ، كنت أتشوق كثيراً لهديتي المرتقبة ، في ذلك الوقت كنت أرغب كثيرا ان تكون “حقيبة الطبيب ” ، حيث أشعر بمتعة كبيرة وأنا أعبث بالادوات ، السماعة والمطهر ، لا أنسى في ذلك اليوم كم كان صعباً العثور عليها ، وهي التي لم تكن متوفرة بكثرة ، أتذكر حينها أننا خرجنا بعد صلاة العشاء ، كنت وأبي نجوب الطرقات من متجر لآخر بحثاً عن تلك الحقيبة ، حامله معي عناد طفلة صغيرة برأس ٍ “يابس ” تصر بأنها لن تقبل سواها كهدية نجاح . حتى عثرنا عليها .
(د)
في مرحلة أخرى من حياتي تخيلت أيضاً أنني قد أصبح في يوم روائية أو كاتبة قصة قصيرة ، أعتقد كانت مرحلة الصفوف العليا ثالث أو رابع إبتدائي ، كنت في كل مرة أتوجه فيها الى المكتبة أذهب إلى قسم الأطفال ، فما إن ألمح ذلك القسم المبهج حتى أتجه له مسيرة لا مخيره ! أبتاع كل ما يواجهني من حكايات وقصص . في كل يوم أربعاء كنت انتظر بشوق عودة أبي من عمله محملاً بمجلة ” ماجد “، هو الذي يعلم بهوس طفلتة الصغيرة بالقصص والمجلات ، وما إن نحصل عليها حتى تحين لحظة البحث عن ذلك الكائن المدعى « فضولي » والذي كان يحاول عبثاً الإختباء في أكثر الصفحات امتلاء اً بالرسومات والألوان لتمويه وجوده ، ولكن كان ذلك مستحيلاً لحدة المنافسة الموجودة بيني أنا و إخوتي للبحث عنه وماهي الا ثوانٍ قليلة وتعلن إحدانا أنها وجدته ، كم أشعر بالسعادة وأنا اتذكر تلك الأيام .
(هـ)
بعد هذه الفترة انتقل لي شغف العمل في دار نشر وأن أملك مجلتي الخاصة ، بحيث أتولى بنفسي تصميم الغلاف والصفحات والفهرس والإعلانات و رسم الشخصيات الكرتونية أبطال حكاية العدد ، و كتابه المقال الذي يتصدر الصفحة الأولى مذيلاً بتوقيع ” رئيسة التحرير ” ! ، أتذكر أنني قمت بتصميم 3 أعداد من مجلتي ، لاأذكر ماكان اسمها ، لكنني أذكر أن أول غلاف كان عبارة عن صورة فوتوغرافية لشاطئ العقير بمدينة الأحساء «« حس الوطنية الزائد كان موجود منذ الطفولة 😛
(و)
صورة الغلاف كانت هي فاتحة خير كما يقال ، و البداية في مشوار عشقي لفن الصورة ، الذي كانت بداياتي فيه بكاميرا بسيطة من شركة SONY ، دقتها 5 ميغا بيكسل ، كانت مناسبة لمبتدئة لا تفهم من التصوير غير كبسها لزر الالتقاط ، كنت في دوامة هوس لتصوير كل ما يواجهني ، تلك المرحلة التي تكون في بداية كل الأمور الجديدة ، بعدها تبدأ مرحلة التقنين ، والذي كان عن طريق تصفح المواقع المتخصصة وإقتناء المجلات الفوتوغرافية ، حتى أصبحت تلك الكاميرا لا تثير حماسي في التقاط الصور بظروف معينة وأصبحت النقلة النوعية في إقتناء كاميرتي الإحترفية سوني ألفا 100 ، خضت في تجربة الإحترافية أكثر ، أصبحت أرى الوجود من خلال عدستي الصغيرة ، لم أكن أنظر للأشياء من حولي كالبقية ، كنت أحاول أن أبحث على أجمل شيء في هذا الشيء ، وأتخيله ضمن كادر الصورة ، واستعرض الوضعيات التي أستطيع أن أظهره بها بشكلٍ أجمل . شاركت في عدة معارض ، فازت لي عدة صور .. لكن منذ السنتين تقريباً وأنا افتقد شغفي السابق بالتصوير ، الذي أتمنى أن يعود لي يوما َ ..

مجموعة من صوري التي تم إختيارها لتكون في معرض ” الحسا .. عبقرية مكان ”
Flickr
(ز )
كذلك من الأمور الرائعة جداً التي حصلت لي في هذة السنة هو قبولي ضمن العشرة اللاتي تم اختيارهن خصيصاً للإنضمام إلى برنامج الماجستير في مسار ” الموهوبين ” بعد خضوعنا لإختبار ذكاء طويل تلاها مقابلة مع متخصص في مجال الموهبة ، كان خبر القبول النهائي مفرح جداً ، لأنني علمت ان العدد المطلوب هو عشرة طالبات فقط ، بينما أن عدد المتقدمات يفوق أضعاف هذا العدد ، الحمد لله .
لكن حقيقة ، الحدث الأكبر كان في حصولي على وظيفة ” معيدة ” في قسم التربية الخاصة – مسار الإعاقة العقلية بجامعة الملك فيصل ، تلك كانت الثمرة التي تم سقيها والإعتناء بها ورعايتها طيلة سنوات دراستى الأربع ، نعم هذا هو المكان الذي كنت أرى نفسي فيه منذ قراري بدخول هذا التخصص ، حدثت الكثير من العقبات ، لكن في كل مرة كنت أعلم انها خطوة للأمام وأن القادم سيكون أجمل ، أعيدت مقابلتي أكثر من مرة ، احترفت المقابلات الرسمية ، لم أيأس أبداً ، كنت أعلم بأنني سأصل ، حتى وأنا أمتهن التدريس لم أشعر أبدا بأنها وظيفتي الأبدية ، برغم من اكتشافي بأنها ممتعة جداً خاصة في جانب رؤية التقدم والتغيير الإيجابي على الطالبات ، حتى وأنا أحضر إجتماعات الإدارة ، كنت أهمس في أذن صديقتي التي بجانبي ” أتصدقين بأنني لا أشعر بأن كل ما يقال موجة لي ” كانت تلتفت إليّ تضحك وتقول ” يا بختك يا سارة ! ” كنت أعلم أن هناك طريق آخر ينتظرني ، وهو طريق البداية في مشوار طويل ، ” المعيدة ” هي أول الطريق لسلسلة نجاحات ، ادعوا الله أن يمنحني القوة والصبر للوصول إليها .
عوضت سهرك معي يا أمي ، وكوب القهوة الساخن من يديك ، وابتسامتك التي تطمئنني بأن كل شي سيكون على مايرام ، مفاجأتك لي وأنا في معمة الإنكباب على كتبي وملخصاتي بإختلاق الأحاديث الطريفة ، لم تكن إلا محاولة لتخفيف وطأة الدراسة و الإختبارات التي يشعر بها التلاميذ دائماً ، الخوف من المجهول ، مجيئك لرؤيتي والإطمئنان على وحثي على النوم ، بينما أنا أتسبب بجعل نومك مضطرب ، لم يذهب سداً يا أمي ..
ابنتك ستشرفك ، ستزداد إصراراً في طريق نجاحاتها ، ستكبر أكثر وأكثر، ستسعدك ، ستضع كل مافعلته لأجلها نصب أعينها ..
يا إلهي !
ثرثرت ُ كثيراً ولم انتهي بعد !! ..
إنه عامي
23 !
حلفت عليكم لاتكلفون على نفسكم بالهدايا 😛
أشكركم لتحمل عناء القراءة إلى هنا .. أقدر لكم ذلك كثيراً .