الإثنين ٢٦ أكتوبر :
(أ)
كان الإستيقاظ في هذا اليوم صعب جداً ، فليلة البارحة اضطررت للتوجة بعد العمل مباشرة إلى مدينة الخبر لتأديه واجب العزاء في قريب للعائله (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ) بعد يوم عمل طويل، والعودة إلى الأحساء في منتصف الليل ، لم أنم جيداً ، استيقظت قرابة الساعة ٣ فجراً ولم أعاود النوم إلا ٤ والنصف حتى الساعة ٦ والنصف .
(ب)
اليوم موعدي مع مهمة جديدة ، فكما أخبرتكم مسبقاً أنه قد تم تكليفي من قبل الجامعة بأن أكون المشرفة على طالبات مادة المشاهدة والمشاركة للتخصصين « الإعاقة السمعية » و « الإعاقة العقلية » ، ستكون هناك العديد من الأحداث الجديدة والغريبة بالنسبة لي ، إلتقاء مع مديرات وإداريات وطالبات جامعيات بصفة جديدة ، تختلف عن صفتي السابقة كطالبة . استلمت قائمة بأسماء الطالبات ، كان مجموعهن عشرة ، أما المدارس التي سأذهب إليها إحداها في الهفوف وهو « معهد الأمل » الخاص بالمعاقين سمعياً ، والأخرى في المبرز « المدرسة ١٥ الابتدائية » ، قرابة الساعة الثامنة صباحاً خرجت من المنزل وتوجهت بالبداية إلى المعهد نظراً لقرب المسافة من منزلي ، وصلت إليه واقتربت من الباب وتوقفت قليلاً قبل أن أدخل ، وصرت أتمتم داخل نفسي بأنه يجب أن أترك إنطباع إيجابي لدى من سأقابلهم ، ويجب أن أكسب احترامهن ، و أن أكسب ثقه طالباتي وكان هذا الأهم ، ضغطت على جرس الباب و دخلت إلى المعهد استقبلتني إحدى النساء العاملات هناك ، سألتها عن الإدارة أوصلتني إلى المكتب ، القيت التحية وعرفت بنفسي للإداريات ، واخبرتهن أنني هنا للقاء المديرة وطالبات المشاهدة ، استقبالهن كان جيداً جداً ، رحبن بي ، ووجدت المديرة أيضا لطيفة وأرادت مساعدتي بحماسة كبيرة، لكن كان هناك الكثير من الاستفسارات من قبل إحدى الإداريات بخصوص المادة وطبيعة مجراها ، يبدو أنها المرة الأولـى لمشاهدة الطالبات أو أن تكون هي جديدة في المكان ، في أثناء حديثها ركزت كثيراً على موضوع توجيهي لطالباتي بخصوص الملبس وجوال الكاميرا ، وسألتني عن امكانية دخولهن لحصص الإنتظار ، فمنعتها عن ذلك ، لأن الطالبات ليس لديهن سوى هذا اليوم في الأسبوع ، وأرغب بأن يكتسبن من المعلمات أثناء الشرح أكبر قدر ممكن، وحصص الانتظار ستكون مضيعة لهن ، كانت تلك الثلاث النقاط هي الأهم في توجيهاتها .
التقيت بعدها بالطالبات وكان عددهن ٧ ، كان لقاؤنا في البهو التابع للإدارة ، سألتهن إن كانت الجلسة ملائمة لهن أو يرغبن في تغييرها، وأخبرنني أنه لا بأس ، فالمكان هنا مكيف ومريح وأفضل من الخارج ! أخذنا نتحدث عن المطلوب منهن عمله من مشاهدة الحصص والمشاركة مع المعلمة واعداد التقارير و الخطة التربوية الفردية ، أظهرن استيائهن من أن أغلب الفصول لم تبدأ الدراسة بشكل جدي ، حيث أغلب الحصص فراغ ، وأنهن بذلك لن يستفدن من وجودهن اليوم ، وإحداهن أسرت لي بمضايقة إحدى الإداريات لها بخصوص تأخر الحافلة ووصولهم متأخرين قليلاً ومدى الإستياء الذي أظهرته الإدارية. ثرثرنا قليلاً ثم ودعتهن بعدما تأكدت بأنه لا يوجد لديهن تساؤلات أخرى ، وخرجت من المعهد متوجهة إلى « المدرسة ١٥ الإبتدائية » .
(ج)
كانت المدرسة قريبة جداً من المعهد الذي عملت به كمعلمة لذوي الإحتياجات الخاصة لمدة ٦ أشهر قبل أن أصبح معيدة بالجامعة ، عندما مررت من جانبه بالسيارة ، استرجعت شريط طويل من الحكايا التي عشتها هناك ، طالبات ، معلمات ، اداريات ، حصص ، طابور ، مناوبة ، مكتب ، فسحة ، الخبز بالجبن ، عصير الأناناس . . بالرغم من صعوبة تلك الأيام إلا أنه تملكني حنين كبير للعودة .
وصلت للمدرسة قبل موعد الفسحة بربع ساعة تقريباً ، تكرر نفس المشهد السابق في « معهد الأمل » التقيت بالمديرة وبالطالبات . . لكن الذي لم يتكرر وكان الأجمل هو لقائي بطالباتي الصغار « ذوي الإحتياجات الخاصة » اللاتي قمت بتدريسهن مسبقاً، حيث تم نقلهن من « معهد التربية الفكرية » إلى مدرسة تتبع نظام الدمج ، أكثر مااسعدني ذاكرتهن اللتي لا تزال تحملني بين طياتها ، وجوههن التي تحاول أن تسترق النظر لي من فتحات زجاج باب الإدارة ، خوفاً من أن تلحظهن إحدى الإداريات أو المناوبات ، فتزجرهن على ذلك ، يأسرني هذا الشكل الجميل من الحب ، لا ينضب ، يستمر طويلا ، يبهج ، لا مصالح ولا يملك الأسباب .
(د)
فور انتهائي من توجيه الطالبات الجامعيات وخروجي من المكتب ، أسرعت الطالبات الصغار نحوي وقاموا باحتضاني بشوق كبير برغم كل الأشهر الطويلة التي لم أرهن فيها ، كانت فرحتي عارمة جداً باحتضانهم وتأمل وجوههم ” أبللللى سارة وينك ، تعالي درسينا . . لا تروحين ” . . القدر الذي منعني من زيارتهن في المعهد السابق احضرهن لي . .
إنتهى يومي هنا . . لكنه أكسبني سعادة استمرت طويلاً .