زواري الأوفياء . .
أحبكم كثيراً
وأتمنى لكم أضحى سعيد ومبارك
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
تَوقّفْ عَنْ تِلْكَ الأَحَاْدِيث التِي لَسْتَ أهْلاً لها . .
أرّجُوك . .
اصْمُتْ . . فقط اصْمُت !
إذا لَمْ تجِد لك حاقداً .. فاعْرِف أَنّك إنْسَانٌ فاشِل !
محمد الشعراوي
في أحيانٍ كثيرة ، وخاصة تلك الّتي تقتصُّ شيئاً مِن الروح ، أرغبُ بالبقاء وحدي طويلاً ، صَامِتة إلا عَن حديثٍ روحي بيني وبين النفس ، أُقلبُ ماحصل وما سَيحصُل ، أدخُل في دوامة طويلة من مُحاسبة النفس ، لا أكِلُّ من ذلك ساعة واثنتين أو أكثر ، حتى أجِدُ نفسي قد دخلتُ في سباتٍ عميق ، أشعرُ فيها بأن النوم شَقّ عليه حالي وأبَى إلاّ أنْ يمنحني نفسَهُ ، راجياً مني الرحمة !
جاءنا الشتاءُ سريعاً . . نفحَاتُهُ الخفيفة لا أعلم كيف تُصِيبُني بهذا البرد الشَّديد بالرغم مِن أننا في البدايات . أشعُر الآن بأنني آخرُ ورقة صفراء ذَبُلت من على شجرةٍ عجوز وتأبى أن تقع ، تقبع وحيدة في آخر شارع تحول آخر بيت فيه إلى ركام لا يقطُنه بَشر .
وفاة عمة والدتي اليوم إثر اصابتها بجلطة في الدماغ يوم الخَميس الماضي مِمّا أدخلها فِي غيبوبة حتى استودعت الله روحها ، كان خبر مفجع جداً ، للأسف كنت أول من تلقي الخبر وتولى مسؤولية إبلاغه لأمي ، مشاهدة قسمات وجهها أثناءه ، دُمُوعها و ذبول ملامحها ، كانت أكثر ما يقتلني هذه الليلة ، والدتي هي قوتي وهي من أستمد منها صمودي لكل ما يجابهني من أمور تفوق طاقتي التي فاضت بما فيها ، تسألني صديقتي منذ الطفولة – سهام – عن أجمل شيء في هذه الحياة بالنسبة لي ؟ أجيبها مسرعة بأنه حُضن أمي حينما أرمي عليه كل الهُموم فأعود بعدها قادرة على الوقوف من جديد . كياني هش وسهل الكسر أكثر مما يدل عليه كبريائي القوي ، الا أنَّ وجودها هو ما يهبني تلك الدعامة والإستمرارية . تحكي لي أمي بحرقة عن العمة التي احتضنتها طيلة دراستها في ” جامعة الملك سعود ” بالرياض عندما تركت منزلها في الخبر لتكمل تعليمها ، عن الطعام الذي تذكرها بتناوله بين الفترة والأخرى، وعن حرصها الشديد على ألا أن تفوتها إحدى محاضراتها بسبب إحدى إغفاءاتها ، عن طهرها ونقاء قلبها وعن إيمانها ، لتعترض دموعها من جديد حديثها فتوقفها عن الكلام .
في كل مرة نتلقى فيها وفاة شخص ما نتذكر دائماً كم هي قصيرة الحياة ، وكم نحن نقضيها في الكثير من الأمور الضائعة ، نسمع ذلك الصوت ينادي دائما ً ، ننصت لأيام ونأبى أن نستمر فنترك لأصواتٍ دخيلة تتسابق حتى يختفي ، لنغرق فيها من جديد . . إنها سنة الحياة ، غداً صباحاً نتوجة بإذن الله للرياض ، لنشهد الصلاة عليها و دفنها . . ” العمة منيرة ” رحمك الله وأسكنك فسيح جناته .
في بداية تدريسي لمقرر « مقدمة في التربية الخاصة » لسنة أولى جامعة ، و في أول محاضرة بالمقرر سألت الطالبات عن فكرتهن بخصوص المعاق عقلياً ، ماهو في نظرهن ؟ في البداية ساد صمت رهيب ، لم أكن أعرف إن كان مرده سخف السؤال أو جهله التام ! دقائق وأخذت الإجابات . . والصدمات تتوالى ، لا لشيء إلا لكونها تصدر من طالبة جامعية وفي عام 2009- 2010، حيث كان المعاق عقليا في تعريفهن هو « الغبي » ، والتوحد هو « أن أصاب بحالة نفسية أغلق فيها باب حجرتي وأمتنع عن الطعام » !
هل حقاً هناك الكثير يجهل أن التوحد في الحقيقة إصابة في المخ تولد مع الطفل وليس نتيجة لظروف بيئية معينة أو تعرض لحالة نفسية ؟ وأن الإعاقة العقلية في وادٍ والغباء في وادٍ آخر ؟ العيب في هذا الجهل يقع على عاتق من ؟ هل من مناهجنا الدراسية التي تغفل عن تعريف طلابها بالأمور التي أصبحت شائعة ومنتشرة في زماننا هذا ؟ أم إعلامنا العربي الذي يتسابق في شراء المسلسلات والفوازير والبرامج الترفيهية الفارغة و تجاهل كل ماله قيمة فعليه – مع استثناء عدد من القنوات لا يتجاوز وجودهم أصابع اليد الواحدة – أم بالحقيقة أن الحق علينا نحن كوننا لا نسعى إلى تثقيف أنفسنا ذاتيا ً ؟